مع بروز المبادرة الفرنسية لتفادي الانهيار الشامل على المستوى اللبناني، أبدى معظم الأفرقاء المحليون رغبة في تقديم التسهيلات للوصول إلى تشكيل الحكومة العتيدة بأسرع وقت ممكن، ولذلك جاء الاتفاق على تسمية رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب بضغط مباشر من باريس، التي كان يتحضر رئيسها إيمانويل ماكرون لزيارة بيروت.
في هذا السياق، لم يكن تفصيلاً أن يتولى ماكرون مباشرة الاتصال برئيس المجلس النيابي نبيه بري لحل عقدة حقيبة المالية، التي تؤكد الطائفة الشيعية أنها "عرفاً من حقها بموجب مداولات اتفاق الطائف"، في مقابل رفض باقي الطوائف، لا سيما السنة والمسيحيين، وهو مؤشر إلى أن ما يحصل أبعد من صراع طبيعي اعتاد عليه اللبنانيون من خلال توزيع الحصص الوزارية.
وبغض النظر عن التسوية، التي من الممكن الوصول إليها في الساعات أو الأيام المقبلة بضغط فرنسي مباشر، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن ما يحصل يأتي في سياق بحث الطوائف اللبنانية عن دورها على مستوى الدولة، مع العلم أن ماكرون كان، في الساعات الماضية، تمنّى تولي شخصية شيعية تحمل الجنسية الفرنسية لتجاوز هذه العقدة.
وتلفت هذه المصادر إلى أن لعبة بحث الطوائف عن دورها في التركيبة الحاكمة، تنطلق من أن المسيحيين غير راضين عن مصير دورهم منذ اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب اللبنانية، في المقابل كان السنّة أبرز المستفيدين منه على مستوى السلطة التنفيذية، وهم اليوم، من خلال أديب، يسعون للعودة إلى ما قبل اتفاق الدوحة، الذي كرّس حقّ الكتل النيابية، أو الطوائف الأخرى، اختيار ممثليهم في الحكومات.
ضمن هذا السياق، ترى المصادر نفسها سبب تمسك الطائفة الشيعيّة بحقيبة الماليّة، التي تمثّل التوقيع الثالث على مستوى السلطة التنفيذيّة، الأمر الذي يكرّس المثالثة بشكل غير مباشر، الأمر الذي تحدّث عنه بشكل صريح رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، بينما رفض ذلك يدفعهم إلى حمل طرح الذهاب إلى الدولة المدنية، المرفوض من قبل الفئات الأخرى التي تخشى الديمقراطية العددية، وهو ما كان قد ألمح إليه بشكل واضح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في وقت سابق.
وبالتالي، تعتبر المصادر السياسية المطلعة أن القيادات الطائفية تسعى، انطلاقاً من الضغوط الاقتصادية والمالية القائمة، إلى محاولة تكريس دورها في المعادلة الحاكمة، الأمر الذي قد يعقّد أيّ حل جذري على مستوى الأزمة اللبنانيّة، لكن لا يمنع من حيث المبدأ إبقاء القديم على قدمه لتفادي الوصول إلى الانفجار الشامل، المرفوض من قبل العديد من الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة اللبنانية.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّ الساعات المقبلة ستكون فاصلة على مستوى المبادرة الفرنسية، التي يضع ماكرون كل رصيده السياسي الشخصي في سبيل تأمين ظروف نجاحها، لكنها تشير في المقابل إلى أن ذلك لا يعني معالجة الأزمة اللبنانية، التي تخطّت الإطار الطبيعي لها، ودخلت في مرحلة بحث الطوائف عن دورها في المرحلة المقبلة، في الوقت الذي تتم فيه إعادة رسم خرائط العديد من الدول على مستوى المنطقة.
في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أنه في ظل هكذا واقع لا يمكن الحديث عن اصلاح أو مكافحة فساد، نظراً إلى الصراع الطوائفي بين القيادات السياسية قد يأخذ البلاد إلى مكان آخر، بينما النقاش الموضوعي من المفترض أن يكون في مكان بعيد كل البعد عن معادلة الحصص والتوازنات التي لن تخرج لبنان من واقعه الراهن.